مقدّمة: نقد الكتاب المقدّس من رايماروس إلى نيتشه
-
02
تشرين1 2018
- الزيارات: 6514
لا يمكن القول إنّ رايماروس (1694 – 1768) هو أوّل من بدأ حملة في نقدية الكتاب المقدّس، لأننا نعرف على الأقل أن باروخ سبينوزا (1632 – 1677) وجّه سهام نقده للعهد القديم؛ لكن ربما يكون رايماروس هو أوّل من دشّن هذا النوع الفلسفي المنظّم الدقيق من النقديّة الكتابية، خاصّة للعهد الجديد – بالنسبة لنقديته للعهد القديم، لم يصل إلينا إلا ذلك الفصل الذي يحاول فيه رايماروس دك أسس قصة الخروج من مصر الواردة في سفر الخروج والتي سنضيفها إلى نصوص لرايماروس أخرى هنا – وفتح الباب من ثمّ أمام الباحثين كي يخوضوا دون وجل عباب بحر الكتاب المقدّس المائج، والذي أوصل في نهاية القرن الماضي إلى جماعة "سيمينار يسوع" الأمريكية، التي تتهم اليوم بالتطرّف الليبرالي.
إحدى المحطّات الهامة في النقد "غير البحثي" للكتاب المقدّس، هي تلك التي يحتلّها الفيلسوف الألماني، فريدريش نيتشه (1844 – 1900) في كتابه الأخير، عدو المسيح[1]. ليس عدو المسيح بالعمل الأكاديمي المتزن، مثل أعمال ألبرت شفايتسر ودافيد شتراوس وإرنست رينان، على سبيل المثال لا الحصر؛ بل هو صرخة فلسفية نزقة ضد المسيحية أولاً واليهودية ثانياً – صرخة تلمس بلغتها الشعرية الرائعة كعادة نيتشه قلب القارئ، لكن ليس عقله.
في مقارنة غير تفصيلية بين رايماروس ونيتشه، نكتشف بسهولة أن الأول لم يكن ملحداً، بل يؤمن بما يمكن تسميته بالربوبية[2] Deism. بالمقابل، ورغم عدم الاتفاق بين الباحثين حول ما إذا كان نيتشه ملحداً أم لا، فإنّ الأخير يشنّ هجوماً على شكل الإله المسيحي في عدو المسيح، نشتمّ منه رائحة الإلحاد. يقول نيتشه في الكتاب ذاته، الفقرة 18:
المفهوم المسيحي للإله - الإله كإله للمرضى، الإله كعنكبوت، الإله كروح - هو واحدٌ من أفسد المفاهيم للإله التي وصلت إلى الأرض: بل ربما يمثّل العلامة الدنيا في التدرّج الهابط لنموذج الإله. لقد تفسّخ الإله إلى معارضة للحياة، عوضاً عن أن يكون تجلّياً لها ونعَمها الخالدة! في الإله إعلان عدائيّة للحياة، للطبيعة، لإرادة الحياة! الإله صيغة تعبّر عن كل افتراء على « هذا العالم »، كلّ كذبة حول « العالم الآخر »! في الإله يؤلّه العدم، تُقدّس إرادة العدم!...
ثم يكمل في الفقرة التي سبقت، 17:
كيف يستطيع المرء أن يبقى مذعناً لسذاجة اللاهوتيين المسيحيين بحيث يشاركهم الرأي في قول إن تحوّل مفهوم الإله من « إله إسرائيل »، الإله القومي، إلى الإله المسيحي، خلاصة كلّ ما هو خيّر، يعتبر تقدّماً.
ومن ثم يقول:
47
إنّ ما يميّزنا، هو ليس أننا لا نلحظ إلهاً، لا في التاريخ، ولا في الطبيعة، ولا في ما وراء الطبيعة، - بل لأننا وجدنا أن ما تمّ توقيره كإله، ليس “ إلهيّاً “، بل هو حقير، سخيف، مؤذ، ليس مجرّد خطأ، بل جريمة بحق الحياة... نحن ننكر الإله كإله... إذا أثبت واحدهم لنا وجود إله المسيحيين هذا، ما عرفنا كيف سنؤمن به. – وضع ما سبق في صيغة: الإله، كما خلقه بولس، إنكار للإله. – ديانة كالمسيحيّة، لا تمسّ الواقع الفعلي في أية نقطة، وتتفتت حالما يأخذ الواقع الفعلي مكانته الحقيقية في أية نقطة، لا بدّ أن تكون بالطبع عدوّاً مميتاً “ لحكمة العالم “، للعلم، - سوف تستحسن كلّ الوسائل التي يمكن بها أن تسمّم وتفتري وتسيء إلى سمعة انضباط العقل، الوضوح والتطرّف في الوعي العقلاني، هدوء العقل وحريّته النبيلين. “ الإيمان “ كضرورة هو الفيتو على العلم، - عمليّاً الكذب بأي ثمن... لقد فهم بولس، أن هنالك حاجة إلى الكذب، إلى “ الإيمان “؛ ولاحقاً فهمت الكنيسة بولس... ذاك الإله، الذي اخترعه بولس، إله “ يدحض “ “ حكمة العالم “ ( بمعنى أضيق، العدوّان اللدودان للخرافات كلّها، فقه اللغة والطب )، هو في الواقع مجرّد تصميم راسخ من قبل بولس ذاته على فعل ذلك: تسمية الإرادة الخاصّة “ إلهاً “، توراه، ذاك يهودي أساساً. بولس يريد أن يدحض “ حكمة العالم “: أعداؤه هم فقهاء اللغة والأطبّاء الجيّدون من مدرسة الاسكندريّة - ، عليهم يشنّ الحرب. في الواقع، لا يكون المرء فقيه لغة وطبيباً دون أن يكون في الوقت ذاته أيضاً عدوّاً للمسيحي. لأنه حين يكون المرء فقيه لغة يرى ما وراء “ الكتب المقدّسة “، وحين يكون طبيباً يرى ما وراء الفساد النفسي للمسيحي الأنموذجي. يقول الطبيب غير قابل للشفاء، وفقيه اللغة “ محتالاً “...
سوف نلحظ لاحقاً أن رايماروس يربط تماماً بين الجماعة المسيحية الأولى من جهة، والبيئة اليهودية التي خرجت منها هذه الجماعة، من جهة أخرى. وحين يقارن رايماروس بين الطرفين، الجماعة المسيحية الأولى والبيئة اليهودية، نجده دون أدنى التباس يقف إلى جانب الطرف اليهودي على نحو غير مباشر باعتبار أن أتباع المسيح كانوا مجموعة من الأميين الفقراء الرعاع الذين وجدوا في يسوع ضالتهم من أجل تحسين أوضاعهم الماديّة، وذلك مقابل الأرستقراطية الفريسية المثقفة، التي كان يتجنبها – وينتقدها – يسوع بشدّة.
بالمقابل، يقول نيتشه في الفقرة 24 من الكتاب ذاته:
سأعرض هنا فقط مشكلة أصل المسيحيّة بإيجاز. الفرضيّة الأولى لحلّها: لا يمكن فهم المسيحيّة إلاّ بردّها إلى التربة التي نشأت عليها،- ليست حركة مضادّة للغريزة اليهوديّة، إنّها بالفعل نتيجتها المنطقيّة، نهاية أخرى لمنطقها الموحي بالرعب. في صيغة Formel الفادي: «الخلاص يأتي لأجل اليهود». ...اليهود هم أكثر الأمم لفتاً للنظر في تاريخ العالم، لأنّهم، حين واجهوا مسألة أن تكون أو أن لا تكون، اختاروا، بقناعة غريبة تماماً، أن يكونوا بأيّ ثمن: كان الثمن الذي توجّب عليهم دفعه هو التزييف الجذري لكلّ الطبيعة، كل الطبيعانيّة، كل الواقع، العالم الداخلي برمّته إضافة إلى الخارجي. عرّفوا أنفسهم بما يعاكس كلّ تلك الظروف التي كان بمقدور أمّة العيش في ظلّها، أن يُسمح لها بالعيش؛ جعلوا من أنفسهم النقيض للظروف الطبيعية،- قلبوا الدين، العبادة الدينيّة، الأخلاق، التاريخ، علم النفس، الواحد بعد الآخر، بطريقة غير قابلة للإصلاح، إلى نقيض قيمهم الطبيعيّة. من جديد نصادف الظاهرة ذاتها بنسب كبيرة للغاية، مع أنّها لا تعدو كونها نسخةKopie :- الكنيسة المسيحيّة، مقابل « أمّة الأنبياء »، تتبرّأ من كل مزاعم الجدّة. لهذا السبب تحديداً اليهود أشأم أمّة في تاريخ العالم: لقد زيّف تأثيرهم اللاحق الجنس البشري الى درجة أنّ المسيحي قادر اليوم على الإحساس أنّه عدو لليهوديّة دون أن يدرك أنّه النتيجة القصوى لليهود.
32
المسيحيّة الأولى تستخدم فقط مفاهيماً ساميّة-يهوديّة ( الأكل والشرب في المناولة اللذان نعنيهما هنا، أسيء استخدامهما على نحو محزن للغاية، مثل كل شيء يهودي، من قبل الكنيسة ).
ثمة مجموعة ضمن جماعات "البحث عن يسوع التاريخي" الثالثة، تعتبر أن يسوع كان نبياً جوالاً يعلن للناس رسالته الأخروية لكنها غير رؤيوية. وبالنسبة لهؤلاء العلماء، يهودية يسوع هي أولاً وقبل كل شيء، وليس هنالك أي تأثيرات يونانية - رومانية مزعومة. فبالنسبة لهؤلاء العلماء، استخدام علم الآثار في إسرائيل وتحليل الأدب اليهودي التكويني، بما في ذلك المشناه، مخطوطات البحر الميت، العهد الجديد (كنص يهودي) ويوسيفوس، لإعادة بناء الآراء القديمة لليهود المتعلقة بالعالم في المقاطعتين الرومانيتين من القرن الأول في اليهودية والجليل – ومن ثم فقط يتقصى كيف يتناسب يسوع فيها. إنهم يميلون إلى عرض يسوع كبروتو- حاخام [حاخام بدئي]، والذي أعلن عن ملكوت السموات.
بالنسبة لرايماروس، كان يسوع شخصاً عادياً والذي كان لديه أحلام مسيانية. بمعنى تجريده من كلّ معنى ديني وتحديده فقط بشروطه الدنيوية.
من ناحية أخرى، يكرّس نيتشه جزءاً كبيراً من عمله، عدو المسيح، للحديث عن الفادي، يسوع المسيح. يقول الفيلسوف الألماني في سلسلة من الفقرات من العمل ذاته:
29
ما يهمّني أنا هو النموذج النفساني للفادي. لأنه أُمكن أن يُحتوى في الأناجيل رغماً عن الأناجيل، مهما كان تشويهه وإثقاله بالسمات الغريبة كبيراً: مثل النموذج النفساني لفرنسيس الأسيزي[3] المحتوى في الخرافات التي تدور حوله رغماً عن تلك الخرافات. ليس حقيقة ما فعل، ما قال، وكيف مات حقّا: بل مسألة ما إذا أنموذجه قابل لأن يُتخيّل بأيّة حال، ما إذا كان التقليد قد «تناقله»؟-فالمحاولات، التي أعرفها، الهادفة لاستخلاص حتى تاريخ «نفس» واحدة من الأناجيل، تبدو لي دلائل على طيش نفسي لعين. لقد خصّصّ رينان، مهرّج علم النفس ذاك، لشرح أنموذج يسوع، مفهومين هما الأصعب تطبيقاً في هذه الحالة: المفهوم عبقري والمفهوم بطل. لكن إذا كان ثمّة شيء غير إنجيلي فهو المفهوم بطل. فهنا على وجه التحديد يصبح نقيض كلّ الكفاح، كلّ الشعور بالذات في النضال غريزة: هنا يصبح العجز عن المقاومة أخلاقيّة («لا تقاوم الشر»: القول الأعمق في الإنجيل، والذي هو مفتاح فهمه بمعنى محدّد)، السعادة في السلام، في التهذيب، في العجز عن العدوانيّة. وما هي «البشارة» ؟ لقد وجدت الحياة الحقيقيّة، الحياة الأبديّة - إنها ليست موعودة، إنها هنا، إنها فيكم: كحياة معاشة في الحب، في الحب دون إنقاص أو استبعاد، دون تباعد. كلّ واحد هو ابن لله - لم يطالب يسوع لذاته بشيء محدّد -، فكلّ واحد يساوي الآخر كأبناء لله... لصنع بطل من يسوع!- وأي سوء فهم رديء هذا في الكلمة عبقري! فمفهومنا الثقافي «روح»، مفهومنا برمّته، لا معنى لديه في عالم حيث عاش يسوع. وإذا ما تحدّثنا بدقّة الفسيولوجي، فإن كلمة مختلفة بالكامل سيكون من الأفضل وضعها هنا: كلمة معتوه[4] ...ونحن ندرك أن وضع حساسيّة شعور لمس مرضيّة تجعله ينكمش مرتعباً من كلّ احتكاك، من كلّ إمساك بغرض ثابت. أمّا ترجمة هذا الوضع الفيسيولوجي إلى منطق صرف فتقول - كراهيّة غريزيّة لكلّ ما هو واقعي، هروب داخل «ما لا يمكن الإمساك به»، كراهيّة لكل شكل، كل مفهوم زماني ومكاني، كل ما هو ثابت، وذلك كلّه عرف، عادة، كنيسة، ارتياح في عالم غير معكّر بأي نوع من الوقائع، عالم «داخلي» ليس إلاّ، عالم «حقيقي»، عالم «أبدي» ...مملكة الله «فيكم» .
31
لقد أعطيت من قبل إجابتي على هذه المشكلة. وفرضيّتها تقول إن أنموذج الفادي لم يُحفظ لنا إلاّ بشكل مشوّه فقط. وإن إمكانيّة حصول هذا التشويه محتملة جداً بحدّ ذاتها: توجد أسباب كثيرة تعلّل سبب عدم إمكانيّة بقاء هذا النموذج صافياً، كاملاً، خالياً من الإضافات. فلا بدّ أنّ الوسط الذي تحرّكت فيه هذه الشخصيّة الغريبة ترك أثره عليها، ولابدّ أن التاريخ ترك ما هو أكثر، أي قدر الجماعة المسيحيّة الأولى: ويمكن العودة تاريخيّاً إليه، للإشارة، إلى إغناء الأنموذج بسمات لا تفهم إلاّ عبر الحديث عن الصراع وغايات الدعاية. ذلك العالم الغريب والمريض، الذي تقدّمه لنا الأناجيل، - عالم يشبه عالم الرواية الروسيّة، حيث يبدو لنا أنّنا على موعد فيه مع رفض المجتمع، الحماقة العصبيّة و« الصبيانيّة » - لابدّ أنّه خشّن الأنموذج بأية حال: كان على الأتباع الأوائل بشكل خاص أن يترجموا كائناً مغموساً بالكامل في الرموز والأمور المبهمة إلى فظاظتهم الخاصّة كي يفهموا منه أي شيء - لم يكن لأنموذج كهذا أن يتواجد بالنسبة لهم ما لم يتم اختصاره إلى أشكال أكثر مألوفيّة... النبي، المسّيا، الديّان الآتي، الواعظ الأخلاقي، صانع المعجزات، يوحنّا المعمدان - فرص عديدة جدّاً لإساءة فهم الأنموذج... أخيراً، دعونا لا نستهين على نحو خاص بميزة التوقير المتطرّف الطائفي: إنّه يقضي غالباً على السمات الأصليّة والصفات الأصليّة غير المألوفة والمؤلمة في الكائن المبجّل - بل يفشل في رؤيتها. ويأسف واحدنا أحياناً كون ما من دستويفسكي[5] آخر عاش بجوار هذا المتفسّخ الأكثر إمتاعاً؛ أعني واحداً يمكن أن يشعر بالسحر المثير في مثل هذا الاتحاد بين السامي، المريض، والسخيف. رأي نهائي: الأنموذج، كأنموذج متفسّخ، استطاع في الواقع أن يكون من تعدديّة وتناقضيّة خاصتين: احتماليّة كهذه لا يمكن استبعادها بالكامل. لكن كلّ شيء ينبئ بما هو عكس ذلك: فلو كانت المسألة على هذا النحو لكان من الواجب أن يكون التقليد أميناً وموضوعيّاً على نحو ملحوظ: ولدينا من الأسباب لافتراض العكس. في غضون ذلك، ثمة تناقض ينفغر بين مبشّر الجبل،- البحيرة والحقل، الذي يبهر ظهوره المرء كظهور بوذا على أرض تشبه قليلاً جداً أرض الهند، وبين المتعصّب العدواني، الذي مجدّه رينان بخبث باعتباره « سيّد التهكّم الكبير ». وأنا ذاتي لا أشكّ أنّ هذا المقدار الكبير من المرارة ( ومن الروح أيضاً ) لم يغمر أنموذج السيّد الاّ من الوضع الاهتياجي للدعاية المسيحيّة: يعرف المرء جيداً كيف يكيّف كلّ المتعصّبين سيّدهم بعزم لا يلين بحيث يصبح أبولوجيا[6] لذواتهم. وحين احتاجت الجماعة المسيحية الأولى إلى لاهوتي مقرّع، ضدّ اللاهوتيين، خلقوا « إلههم » بحسب متطلباتهم: تماماً مثلما وضعوا في فمه دون تردّد، تلك المفاهيم غير الإنجيليّة بالكامل، التي ليس بإمكانهم العمل دونها اليوم، أي « المجيء الثاني »، « الدينونة الأخيرة »، وكل أنواع التوعّد والتوقع الزمنيّة.-
32
يمكن للمرء، مع بعض الحريّة في التعبير، أن يدعو يسوع « روحاً حرّة » - إنه لا يهتم بما هو مثبت: الكلمة مماتة، كلّ شيء مثبت ممات. إن الشكل الوحيد الذي يعرفه للمفهوم، للتجربة « حياة »، كما يعرفها وحدها، تعارض أي نوع من الكلام، الصيغ، الايمان، العقيدة. إنه لا يتحدّث الاّ عن الشيء الأعمق: « الحياة » أو « الحقيقة » أو « النور » هي تعابيره عن الشيء الأعمق،- كلّ ما عدا ذلك، أي الواقع برمته، الطبيعة برمتها، اللغة ذاتها، لا تمتلك عنده سوى قيمة إشارة، إستعارة.- لكن على المرء أن لا يخطىء في هذا الموضع اطلاقاً مهما أغواه التحامل المسيحي، أي الاكليروسي، على فعل ذلك. فرمزي لا مثيل له كهذا يقف خارج كلّ دين، كل مفاهيم العبادة الالهيّة، كل التاريخ، كل العلم الطبيعي، كل تجارب هذا العالم، كل المكاسب، كل السياسيات، كل علوم النفس، كل الكتب، وكل ما هو فن - « المعرفة » بالنسبة له هي تلك الحماقة الصافية، بأن لا شيء من هذه النوعية موجود. ولأنه لا يعرف الثقافة من الأقاويل حوله، لا حاجة به إلى محاربتها،-ولا إنكارها... الشيء ذاته ينطبق على الدولة، المجتمع والنظام المدني بمجمله، العمل، الحرب- لم يكن لديه سبب لانكار « العالم »، لم تكن لديه فكرة عن المفهوم الاكليروسي « عالم » ... الانكار بالنسبة له تحديداً هو المستحيل بالكامل.- الديالكتيك أيضاً غير موجود، وغير موجود التصوّر الذي مفاده أنّه يمكن إثبات « إيمان »، « حقيقة » بالأسباب ( - براهينه هي « أنوار » داخليّة، أحاسيس « داخلية » بالسرور وإثبات الذات، لا شيء سوى « براهين بالقوة » -). لا يمكن لمذهب كهذا أن يجادل، فهو ببساطة لا يفهم أنّ مذاهب أخرى تتواجد، تستطيع أن تتواجد، إنّه ببساطة لا يعرف كيف يتخيّل رأياً معاكساً لرأيه... وحيثما يقابل أحداً منها، سيندب « العمى »، بأخلص تعاطف - لأنه يرى « النور »،- لكنه لن يعارض...
33
إذا كنت أفهم شيئاً من هذا الرمزي الكبير فهو أنه لم يعتبر وقائع، حقائق، إلا الوقائع الداخليّة فقط – وأنه فهم الباقي، أي كل ما يخص الطبيعة، الزمان، الفضاء، التاريخ، كإشارات، كفرص للإستعارة ليس إلاّ. إن مفهوم “ ابن الإنسان “ لا يعني شخصاً عينيّاً ينتمي إلى التاريخ، شيئاً فرديّاً أو وحيداً بأية حال، لكنه حقيقة “ أبديّة “، رمز نفسي خال من مفهوم الزمان. والشيء ذاته ينطبق على نحو أسمى على إله هذا الرمزي الأنموذجي، على “ مملكة السموات “، على “ أبناء الله “. لا شيء أكثر لا مسيحيّة من الفظاظات الإكليروسيّة عن الإله كشخص، عن “ مملكة الله “ الآتية، عن “ مملكة السموات “ في العالم الآخر، عن “ ابن الله “، الأقنوم الثاني في الثالوث.كلّ هذا – آسف على التعبير – قبضة في العين. وآه في أية عين! – عين الإنجيل: كلبيّة تاريخية عالميّة في تهكميّة الرمزيّة... لكن واضح بجلاء ما يشار إليه في رمزي “ آب “ و”ابن “- ليس واضحاً بجلاء للجميع:في كلمة “ ابن “ مدخل إلى شعور عام بتغيّر كلّ شيء ( سعادة أبديّة )، في كلمة “ آب “ هذا الشعور ذاته، شعور الكمال والخلود. – إني أخجل حين أتذكّر ماذا فعلت الكنيسة بهذه الرمزيّة: ألم تضع قصّة أمفتريون على “ عتبة “ الإيمان المسيحي، وعقيدة “ الحبل بلا دنس “ أيضاً؟... لكنها بذلك دنّست الحبل –
إن “ مملكة السموات “ هي حالة قلب – ليست شيئاً يأتي “ إلى الأرض “أو “ ما بعد الموت “. الموت الطبيعي بكامله غير موجود في الإنجيل: ليس الموت جسراً، ليس انتقالاً، فهو غير موجود لأنه ينتمي إلى عالم آخر بالكامل، عالم ظاهري مجرّد لا يفيد إلاّ في خدمة الرمزيّة. “ ساعة الموت “ ليست مفهوماً مسيحيّاً – “ الساعة “، الزمن، الحياة الماديّة وأزماتها، غير موجودة ببساطة عند صاحب “ البشرى “... “ مملكة الله “ ليست شيئاً يمكن انتظاره، ليس عندها البارحة أو غداً، لن تأتي “ في ألف سنة “ – إنها تجربة داخل القلب؛ إنها في كل مكان، وليست في أي مكان...
35
مات “ صاحب البشرى “ هذا كما عاش، كما علّم – لا “ ليفدي الجنس البشري “، بل ليبرهن كيف يحب أن يعيش المرء. أما ما أورثه للجنس البشري فهو عُرفه: تحمّله أمام القضاة، أمام الحرّاس، أمام متهميه، لكلّ أنواع الافتراء والسخرية – تحمّله على الصليب. إنه لا يقاوم، لا يدافع عن حقوقه، لا يقوم بخطوة يتفادى بها أسوأ ما يمكن أن يحصل له – بل ثمة ما هو أكثر من ذلك، فهو يحرّض عليه... إنه مع أولئك، في أولئك الذين يسيئون إليه، يتوسّل، يعاني، ويحب. وكلماته للص على الصليب تتضمن الإنجيل كلّه. قال اللص: “ كان هذا بشراً متألّهاً، ابناً لله بالفعل “. “ إذا كنت تشعر بهذا “ – يجيب الفادي – “ فأنت في الفردوس، وأنت ابن لله “. لا تدافع عن ذاتك، لا تغضب، لا تتحمل مسئوليّة... بل لا تقاوم حتى الشرير – أحبّه...
يختار رايماروس مقاطع بعينها من الإنجيل تحوي من التناقض الذاتي الشيء الكثير، مثل اجتماع ألوف الأشخاص في عليّة صغيرة في سفر أعمال الرسل. كذلك ينتقي نيتشه بعض مقاطع من العهد الجديد ليس لإظهار تناقضها الذاتي، بل لخلق حالة من السخرية حول مضمونها. يقول الفيلسوف الألماني في عدو المسيح:
45
سأقدّم بعض أمثلة، عما وضعه هذا الشعب الصغير في الرأس، عمّا وضعه في فم سيّده: طائفة عالية الصوت من “ الأنفس الجميلة “. –
“ وكلّ من لا يقبلكم، ولا يسمع لكم، فاخرجوا من هناك، وانفضوا التراب الذي تحت أرجلكم شهادة عليهم. والحقّ أقول لكم، ستكون لأرض سدوم وعمّورة، يوم الدين، حالة أكثر احتمالاً من نلك المدينة “ ( مرقص 11:6 ). – يا للإنجيليّة!...
“ وكل من أعثر هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له لو طوّق عنقه بحجر رحى، وطرح في البحر “ ( مرقص 42:9 ). – يا للإنجيليّة!...
“ وإذا عثرتك عينك، اقلعها؛ فخير لك أن تدخل ملكوت السموات أعوراً، من أن تكون لك عينان وتطرح في جهنّم النار: حيث دودهم لا يموت، والنار لا ينطفيء “ ( مرقص 9: 47-48 ) – ليست العين هي المعنيّة على وجه الخصوص ...
“ الحقّ أقول لكم، إن من القيام ها هنا قوماً، لا يذوقون الموت، حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوّة “ ( مرقص 1:9 ) – كاذب جيّد، أسد...
“ من أراد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه، ويحمل صليبه، ويتبعني. لأنّه...” ( ملاحظة عالم نفس: الأخلاق المسيحيّة تدحضها لأنّاتها: “ معلولاتها “ تدحض: هكذا هو حال ما هو مسيحي .) مرقص 8: 34-35. –
“ لا تدينوا، كي لا تدانوا. لأنكم بالدينونة التي بها تدينون، تدانون “ ( متّى 7: 1-2 ) . – أي مفهوم للعدالة، للقاضي “ العادل “!
“ لأنه إن أحببتم الذين يحبّونكم، فأي أجر لكم؟ أليس العشّارون أيضاً يفعلون ذلك؟ وإن سلّمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟ أليس العشّارون أيضاً يفعلون هكذا؟ “ ( متّى 5: 46-47 .) – مبدأ “ الحبّ المسيحي “: أنه يرغب بأن يدفع له جيّداً...
“ وإن لم تغفروا للناس زلاّتهم، لا يغفر لكم أبوكم أيضاً زلاّتكم “ ( متّى 15:6 ). تسويّة للغاية لما يدعى “ آب “...
“ لكن اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه، وهذه [ الأشياء ] تزاد لكم “ ( متّى 33:6 ). كلّ هذه الأشياء: أي الطعام، اللباس، كلّ ضروريّات الحياة... خطأ، استعمالها باعتدال...قبل ذلك بقليل، يظهر الله كخيّاط، في ظروف بعينها على الأقل...
“ افرحوا في ذلك اليوم، وتهلّلوا: فهو ذا، أجركم عظيم في السماء: لأن آبائكم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء “ ( لوقا 23:6 ). غوغاء وقح! إنه يقارن نفسه بالأنبياء...
“ أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله الذي يسكن فيكم؟ وإن كان أحد يفسد هيكل الله، فسيفسده الله؛ لأن هيكل الله مقدّس، الذي هو أنتم “ ( بولس،كورنثوس الأولى 3: 16-17 ). – أشياء كهذه لا يمكن للمرء احتقارها بما يكفي...
“ ألستم تعلمون أن القدّيسين سيدينون العالم؟ وإن كان العالم يُدان بكم، فأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى “ ( بولس، كورنثوس الأولى 2:6 ). لسوء الحظ، ليست هذه مجرّد هذيانات مجنون... فهذا الدجّال المريع يتابع فيقول: “ أما تعلمون أنّا سندين الملائكة؟ فكم بالحري أن نقضي في أمور هذه الحياة؟ “...
“ ألم يجهل الله حكمة هذا العالم؟ لأنه إذا كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلّص المؤمنين بجهالة الكرازة... ليس كثيرون حكماء بحسب الجسد، ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء: بل اختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء؛ واختار الله أدنياء العالم، والمزدرين، وغير الموجودين، ليخزي الموجودين: لكي لا يفتخر كلّ ذي جسد أمامه “ ( بولس، كورنثوس الأولى 20:1، مقتطفات ).
يرى رايماروس أنّ قصّة القيامة لا أساس لها من الصحة، وأنّ تلاميذ يسوع سرقوا جثمانه لأنهم، بعد أن لم يستفيدوا منه في حياته، يمكن الآن أن يستفيدوا منه في مماته عبر تلفيق قصّة القيامة والعودة من السماء؛ بالمقابل، فإن موقف نيتشه محكوم كموقف رايماروس: يعترف بالصلب لكنه ينكر القيامة بالمطلق:
39
سأكمل، لأروي الآن التاريخ الحقيقي للمسيحيّة. – إنّ كلمة “ مسيحيّ “ هي سوء فهم – كان هنالك في الواقع مسيحي أوحد فقط، وقد مات على الصليب. ماتت “ البشارة “ على الصليب. وما دعي بشارة منذ تلك اللحظة و ما بعد كان عكس ما هو عاشه : “ أنباء سيئة “، ملاك شرّ .
الفيلسوفان يلتقيان في مسألة سرقة جثمان يسوع، ويختلفان في من سرقه ولماذا. رايماروس يعتبر أنّ من سرق الجثمان هم تلاميذ يسوع بالذات لرغبتهم في الإفادة من ما يترتب على اختفاء الجثمان من قصّة قيامة وعودة من السماء. بالمقابل، يقول نيتشه إن من سرق الجثمان كان البستاني الذي دُفن يسوع في حقله بعد موته. فقد انزعج الرجل من زيارات التلاميذ المتكرّرة للقبر ومن ثم إفسادهم لمزروعاته، فقام بسرقة الجثمان وادعى أما التلاميذ أن الميت قام.[7]
يختلف الفيلسوفان الألمانيان تماماً في مسألة الصلب وما بعده، وعلاقة ذلك كلّه بالتلاميذ. فكما أشرنا غير مرّة، فقد اعتبر رايماروس أن التلاميذ فبركوا قصّة القيامة ما بعد الصلب من أجل أن يستفيدوا منه ميتاً بعد أن فشلوا من الإفادة منه في حياته. لكن نيتشه في العمل ذاته يمتلك آراءً أخرى تختلف عما يقوله رايماروس بالكامل:
40
لقد كان قدر البشارة محدّداً بالموت، - علّق على “ الصليب “... وحده الموت، هذا الموت المعيب غير المتوقّع، وحده الصليب، الذي لم يكن يحتفظ به لغير الرعاع عموماً، - وحده هذا التناقض المريع هو الذي وضع الحواريين وجهاً لوجه أمام اللغز الحقيقي: “ من كان ذاك؟ ماذا كان ذاك؟ “ – الإحساس بالهزيمة والإحباط حتى العمق، الشك أن موتاً كهذا يمكن أن يكون النقيض لما يدعونه، علامة الاستفهام المريعة “ لماذا حصل ذلك؟” – هذا الموقف مفهوم أيضاً. هنا كلّ شيء كان ضروريّاً، ذا معنى، معقولاً، معقولاً بأعلى درجة؛ حب الحواري لا يعرف شيئاً عن الصدفة. الآن فقط انفعرت الهوّة: “ من قتله؟ من كان عدوّه الطبيعي؟ “- هذا السؤال لمع كالبرق. الجواب: اليهوديّة الحاكمة، طبقتها العليا. ومن هذه اللحظة وما بعد أحسّ واحدهم بذاته كثائر ضدّ النظام، وفهم واحدهم يسوع بالتالي كثائر ضدّ النظام. – حتى ذلك الحين كانت هذه السمة السلبيّة، في القول والفعل، غير موجودة في صورته؛ بل هنالك ما هو أكثر، فقد كان نقيضها. من الواضح أنّ الجماعة الصغيرة فشلت على وجه التحديد في فهم الأمر الأساسي، الأمثولة في طريقته كي يموت، الحريّة، السمو فوق ذاك الإحساس بالغلّ: - دليل على قلّة فهمهم له بأيّة حال! يسوع ذاته لم يكن يرغب بشيء من موته سوى أن يقدّم للعلن الاختبار الأقوى، الدليل على تعاليمه... لكن حوارييه كانوا بعيدين عن أن يغفروا لموته، - والذي كان سيصبح إنجيليّاً بالمعنى الأرفع؛ بغضّ النظر عن تقديمهم لأنفسهم لموت مشابه بسلام قريرة حلو مهذّب... عادت إلى الواجهة من جديد أكثر المشاعر لا إنجيليّة، أي الثأريّة. لم يكن محتملاً أن تنتهي القضيّة بموته: كان واحدهم بحاجة إلى “ الجزاء “، “ الدينونة “ ( - ما الذي يمكنه أن يكون أكثر لا إنجيليّة من “ الجزاء “، “ العقاب “، “ الجلوس في الدينونة “! ). ومرّة أخرى عاد إلى صدر الصورة الانتظار الشعبي للمسيّا؛ وكان أن ظهر في المشهد لحظة تاريخيّة: “ ملكوت الله “ آت لدينونة أعدائه... لكن بهذا يساء فهم كل شيء: “ ملكوت الله “ كنهاية، كوعد! البشارة كانت على وجه التحديد وجود Dasein هذا “ الملكوت “، تحقيقه، واقعه الفعلي. بل إن موتاً كهذا كان فقط “ ملكوت الله “ هذا... الآن فقط أدخل واحدهم في أنموذج السيّد كلّ الاحتقار والسخرية من الفريسييّن واللاهوتيين، - وجعل واحدهم منه بالتالي فريسيّاً ولاهوتيّاً! بالمقابل، لم يعد باستطاعة الوقار الساخط لهذه الأنفس التي يستحيل وصف قلقها تحمّل ذلك القانون الإنجيلي الذي يتيح للجميع أن يكونوا متعادلين في بنوتهم لله والذي علّمه يسوع، وتمثّل ثأرهم في تبجيل متطرّف ليسوع، في فصله عن أنفسهم: تماماً كما كان اليهود قبلهم، كي يثأروا من أعدائهم، يفصلون إلههم عن أنفسهم ويضعونه في الأعالي. الإله الواحد وابن الله الوحيد: كلاهما نتاج للغل...
41
ونشأت الآن مشكلة غير معقولة Absurdes : “ كيف يمكن لله أن يسمح بذلك؟” على هذا السؤال وجد العقل المفسد للجماعة الصغيرة جواباً غير معقول: قدّم الله ابنه لمغفرة الخطايا، كقربان. ومرّة واحدة انتهى كلّ شيء في الإنجيل! قربان الخطيئة، في أكثر أشكاله بربريّة، إثارة لللإشمئزاز، التضحية بإنسان بريء بسبب أخطاء الآثمين! يا للوثنيّة الشنيعة! – لأن يسوع ألغى مفهوم “ الإثم “ بالذات، - أنكر أية فجوة بين الإله والإنسان، عاش هذه الوحدة بين الإله والإنسان باعتبارها “ بشارته “... وليس باعتبارها امتيازاً خاصّاً! من الآن فصاعداً يُدخل في أنموذج الفادي: تعاليم الدينونة والمجيء الثاني، تعاليم موته كموت قرباني، تعاليم القيامة، التي بها شعوذ مفهوم “ الخلاص “ بكامله، حقيقة الإنجيل الأصيلة الكاملة - لمصلحة حالة ما بعد الموت!... بولس، بالغطرسة الحاخاميّة المميّزة له في كل السمات، أعطى طابعاً منطقيّاً لهذا التفسير، هذه الجلاعة في التفسير، كما يلي: “ إذا لم يقم المسيح من الموت فإيماننا عبث “. – ومرّة واحدة صارت البشارة أحقر الوعود غير المنجزة، مذهب الخلود الشخصي الوقح... بل علّمه بولس ذاته بوصفه ثواباً!...
42
يرى واحدنا، [أنّ] المسيحيّة تعد بكلّ شيء، لكنها لا تلتزم بشيء. – في أعقاب “ البشرى “ جاء أسوأ الأمور: تلك البولسية. في بولس جُسّد الأنموذج المضاد “ لصاحب البشرى “، العبقريّة في الكراهية، في رؤية الكراهية، في منطق الكراهية العنيد. ما الذي لم يضح به ملاك الشرّ هذا على مذبح كراهيته! الفادي قبل كلّ شيء: فقد سمّره على صليبه هو. الحياة، المثال، المعنى والحق في كامل الإنجيل – لم يُترك شيء، منذ أن استطاع هذا المزيّف الممسوس بالكراهية، استعماله وحده. لا الواقع، لا الحقيقة التاريخيّة!... ومرّة أخرى عادت غريزة اليهودي الكهنوتيّة لترتكب الجريمة الكبيرة ذاتها بحق التاريخ – لقد محت ببساطة البارحة وأوّل البارحة للمسيحيّة، واخترعت لذاتها تاريخاً للمسيحيّة الأولى. هنالك ما هو أكثر: فقد عادت لتزييف تاريخ إسرائيل لتجعل منه التاريخ السابق لعملها هي: فكلّ الأنبياء يتحدّثون عن “ فاديها “ هي... من هنا فقد زيّفت الكنيسة لاحقاً حتى تاريخ الجنس البشري عبر تزييف التاريخ الذي سبق المسيحيّة.... أنموذج الفادي، التعاليم، العرف، الموت، معنى الموت، ما بعد الموت بالذات – لم يترك شيء على حاله، لم ينرك شيء يحمل حتى أدنى شبه بالواقع. فبولس نقل ببساطة مركز جاذبيّة ذاك الوجود برمته إلى ماوراء هذا الوجود، - في كذبة يسوع “ القائم من بين الأموات “. والواقع أنه لم يكن باستطاعته استخدام حياة الفادي على الإطلاق – كان بحاجة إلى الموت على الصليب وإلى أمور أخرى... إن المراقبة الأمينة لبولس ما، الذي كان موطنه المركز الأساسي للتنوير الرواقي، حين يصنع من هلوسة الدليل على أن الفادي ما يزال حيّاً، أو حتى تصديق قصته بأنه كانت عنده هذه الهلوسة، فذلك سيكون حماقة فعليّة من قبل عالم النفس: فبولس كان يرغب بالوصول إلى الهدف، وبالتالي كان يرغب بالوسيلة لذلك... ما لم يكن يصدّقه هو ذاته صدّقه أولئك المعتوهون الذين ألقى تعاليمه بينهم. – كانت السلطة مطلبه هو؛ مع بولس بحث الكاهن عن السلطة من جديد، - لم يكن باستطاعته غير استخدام تلك المفاهيم، التعاليم، الرموز، التي يستعبد الجماهير بها، يشكّل قطعاناً.
بالنسبة للعهد القديم، فإن رايماروس، في نصّه المسمّى كسرات، يشير إلى قصة خروج الإسرائيليين من مصر كما هي واردة في سفر الخروج من العهد القديم، معتبراً إنها مستحيلة عمليّاً بالمطلق. لكنه في نص خارج الكسرات، يفصّل عبر صفحات كثيرة الأسباب المنطقية التي جعلته يعتبر مسألة الخروج مستحيلة بالمطلق.
بالمقابل، في عدو المسيح، يتحدّث نيتشه عن سفر التكوين، ميثة خلق العائلة الأولى، مقدّماً تفسيراً خاصّاً به لذلك النص:
48
هل فهم المرء بالفعل القصّة الخرافيّة، التي تقف في بداية الكتاب المقدّس، - عن خوف الله المميت من العلم؟... لم يفهمها المرء. كتاب الكهنة بلا منازع هذا يبدأ، كما لو أنه الأمر المناسب الأوحد، بالمشكلة الداخليّة الكبيرة للكاهن: إنه يمتلك خطراً كبيراً واحداً فقط، و” الله “ بالتالي لديه خطر كبير واحد فقط. –
الإله العجوز، “ الروح “ الكاملة، الكاهن الأعلى الكامل، الكمال بكماله، يتمشّى في حديقته: فقط أنه ضجر. الآلهة ذاتها تحارب الضجر بلا طائل. ماذا يفعل؟ يخترع الإنسان – الإنسان مسلّ... لكن انظروا، فالإنسان ضجر أيضاً. تعاطف الإله مع نوع الأسى الوحيد الموجود في كلّ جنّة لا يعرف حدوداً: خلق بالتالي حيوانات أخرى. عثرة الإله الأولى: الإنسان لم يجد الحيوانات مسليّة، - سيطر عليها، بل فقد الرغبة بأن يكون “ حيواناً “. – من ثم خلق الله المرأة. وبالفعل، كان هنالك نهاية للضجر، - لكن لشيء آخر أيضاً! المرأة ثاني عثرات الإله. – المرأة في جوهرها أفعى، Hera [ في النص الإنكليزي heva ] “ – كلّ كاهن يعرف ذلك؛ “ كل شرّ جاء إلى العالم عبرها “... “ العلم، بالتالي، جاء إلى العالم عبرها “... فقط عبر المرأة تعلّم الإنسان تذوّق شجرة المعرفة. – ماذا حدث؟ استولى رعب قاتل على الإله العجوز. صار الإنسان ذاته أعظم عثرات الإله؛ فالإله خلق لذاته منافساً، فالعلم يصنع تساوياً مع الله، - ينتهي كلّ شيء مع الكهنة والآلهة إذا أضحى الإنسان علميّاً! – أخلاقيّاً: العلم محظور بحدّ ذاته. العلم هو الخطيئة الأولى، جرثومة كلّ الخطايا، الخطيئة الأصليّة. هذا وحده أخلاق. – “ يجب أن لا تعرف “ – والبقيّة تأتي. – خوف الإله المميت من العلم لم يوقفه عن أن يكون داهية. كيف يمكن للمرء حماية نفسه من العلم؟ كان ذاك مشكلة رئيسة زمناً طويلاً. الجواب: ادفع بالإنسان خارج الجنّة! السعادة، التبطّل يتركان مجالاً للتفكير، - كلّ الأفكار أفكار سيئة... على الإنسان أن لا يفكّر.- و”الكاهن بذاته “ يخترع الأسى، الموت، الخطر على الحياة في الحمل، كل أصناف البؤس، تقدّم السن، الكدّ، والمرض قبل كلّ شيء، - لا شيء غير وسائط في محاربة العلم! الأسى لا يسمح للإنسان بأن يفكّر... وعلى الرغم من ذلك! يا للرعب! بنيان المعرفة يعلو، يطال السماء، يصل إلى الإلهي، - ما العملّ! – يخترع الإله العجوز الحرب، يقسم الشعوب، يجعل البشر يدمّر بعضهم بعضهم الآخر ( - الكهنة بحاجة للحرب دائماً... ). الحرب، ضمن أشياء كثيرة، صانع متاعب كبير للعلم! – غير معقول! المعرفة، التحرّر من الكاهن، تزداد رغم الحروب. – والإله العجوز يصل إلى قرار أخير: “ صار الإنسان علميّاً – ذاك لا يفيد، يجب على الإنسان أن يغرق! “...
في نهاية هذه المقارنة، فنحن لا نستبعد أن يكون نيتشه اطلع على رايماروس وأخذ عنه، خاصة وأن كتابات الأخير وصلت إلى قمة انتشارها وقت كان الأول في قمة نشاطه الثقافي.
[1] ) ترجمنا الكتاب عن لغته الأم دون أن ننشره.
[2] ) موقف ديني غير أرثوذكسي وجد تعبيراً له ضمن مجموعة من الكتّاب الإنكليز بدءاً بإدوارد هربرت في النصف الأول من القرن السابع عشر وانتهاء بهنري سانت جون في منصف القرن الثامن عشر. ومن ثمّ ألهم هؤلاء الكتّاب بموقف ديني مشابه في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر وفي الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. وبشكل عام، فالربوبية تشير إلى ما يمكن أن يدعى بالدين الطبيعي، أي قبول مجموعة معينة من المعرفة الدينية التي هي فطرية في كلّ شخص أو التي يمكن حيازتها عن طريق العقل، ورفض المعرفة الدينية حين يتم إحرازها من خلال الوحي أو تعاليم أية كنيسة.
[3] ) فرنسيس الأسيزي ( فرانتشيسكو رنار دونه 1181-1226): قديس إيطالي أسس الرهبنة الفرانسيسكانيّة. رفض الثروة، واختار أن يتبع المسيح بتواضع وفقر وحب فاعل للجنس البشري. كشف حبّه للفقراء والمعاقين عن جمال حياة يسوع وعن سرّ التجسّد للناس.
[4] ) كلمة معتوه، عبارة غير موجودة في النصّ الألماني الذي نترجم عنه، لكنها موجودة في نص هولنغديل الانكليزي.
[5] ) يقول نيتشه عن دستويفسكي (1821-1881)، في رسالة تحمل تاريخ 23\2\1887: « قبل أسابيع قليلة لم أكن أعرف حتى اسم دستويفسكي... فرصة سعيدة في إحدى المكتبات رمت تحت ناظري عملاً مترجماً لتوّه إلى اللغة الفرنسيّة، L’esprit souterrian... غريزة القربى (أو ماذا أسمّيها؟) تحدّثت مباشرة، وكانت متعتي استثنائيّة: كان عليّ العودة إلى تعرّفي على كتاب Rouge et noir لستاندال حتى أتذكّر متعة أخرى مشابهة ». في السابع من آذار قرأ « مذكّرات من بيت الموتى » و « ومذلّون مهانون » في ترجمة فرنسيّة أيضاً. لكن لا يعرف ما إذا كان قد قرأ إحدى الروايات الأربع الضخمة أم لا. ورغم حماسته الدائمة لدستويفسكي، فإننا نفشل في العثور على أثر لذلك في مراسلاته بين عامي 1887 و 1888، مع أننا مجبرون على استنتاج أن أاستخدامه لتعبير « أبله » في وصف يسوع، واستخدام هذا التعير أيضاً في اعماله عام 1888 عموماً، مستمدّ من معرفته بكتاب دستويفسكي « الأبله »: ستساعدنا حتماً معرفتنا لمعنى الكلمة عند دستويفسكي في فهم لماذا استخدمها نيتشه. ولأن نيتشه أصغر من دستويفسكي بثلاث وعشرين سنة، ,لأنه قدّم كثيراً من أعماله بعد موت دستويفسكي، هذا كلّه يدفعنا إلى ملاحظة تأخّر نيتشه في قراءته.وما يوحي بتأثير لدستويفسكي في كتابات نيتشه قبل عام 1887 ليس نتيجة تأثير أو استعارة بل تماثل في الفطنة السيكولوجيّة.
[6] ) كتابات تدافع عن أفعال أو معتقدات.
[7] ) راجع كتابي، نيتشه والدين.
تكنولجيا الاندرويد
-
31
آب 2018
- الزيارات: 5536
ماذا يعني مفهوم كلمة تكنولوجيا ؟
التكنولوجيا عبارة عن مجموعة من المعارف المكرسة لإنشاء الادوات و تجهيز الاجراءات و استخراج المواد، و يعتبر مصطلع التكنولجيا واسع جدا، و الجميع لديه طريقة مختلفة لتعريفها و فهم معناها، و نخن نستخدم التكنولوجيا لانجاز مختلف المهام و الاعمال في حياتنا اليومية، و باختصار يمكن وصف التكنولوجيا بأنها المنتجات و العمليات و الخدمات المستخدمة لبتسيط حياتنا اليومية، و نستخدمها أيضا لتوسيع قدراتنا، كنظام الاندرويد على الاجهزة المحمولة وتطبيقاتها مثل الفيسبوك و الانترنت والالعاب مثل الباكرات وغيرها، مما يجعل الناس الجزء الأكبر و الأكثر أهمية في أي نظام تكنولوجي.
كما تعتبر أيضا التكنولوجيا تطبيق للعلوم المستخدمة لحل المشاكل، و لكن من الضروري معرفة من أن التكنولوجيا و العلوم هما موضوعات مختلفة تعمل جنبا الى جنب لحل مشاكل و انجاز مهام محددة، فنحن نطبق التكنولوجيا في كل ما نقوم به في حياتنا اليومية ومثال ذلك عندما نستخدم التكنولوجيا في العمل، كما نستخدمها أيضا للاتصال من خلال الهاتف المحمول، بالاضافة الى استخدامها في وسائل النقل و التعليم و تصنيع المنتجات و تأمين البيانات وتوسيع نطاق الأعمال و غيرها من استخدامات كثيرة، فالتكنولوجيا هي المعرفة البشرية التي تشمل الادوات و المواد و الأنظمة، ان تطبيق التكنولوجيا عادة ما يؤدي الى منتجات اذا تم تطبيقها بشكل جيد ولكن العكس صحيح أيضا ان لم يتم استخدامها بشكل جيد.
تقوم العديد من الشركات باستخدام تكنولوجيا الاندرويد للحفاظ على قدراتها التنافسية، حيث أنها تقوم بانشاء منتجات وخدمات جديدة باستخدام للتكنولجيا، كما يستخدمون التكنولوجيا أيضا لتقديم تلك المنتجات و الخدمات لعملائهم في الوقت المحدد ومثال على ذلك شركة سامسونج أو ابل، التي تعتبر أهم شركات الهواتف المحمول، فهي تستخدم التكنولوجيا المتقدمة لانشاء أحدث الهواتف الذكية التي تعمل بنظام الاندرويد و أجهزة الكترونية اخرى حتى تستطيع الحفاظ على فدرتها التنافسية، وذلك من خلال استخدامها الجيد للتكنولجيا المتقدمة.
ومن الأمثلة على تكنولجيا الاندرويد واحدث تطبيقاته والعابه
- لعبة كينج اوف باكرات Baccarat
لعبة ليست للقمار و انما هي لعبة للمتعة و التسلية، و هي من أشهر العاب الكازينو و لكن بدون الرهان بمال حقيقي، و لعب الكروت من خلال مال وهمي تقوم اللعبة بمنحه لللعب ضد البانكر أو لاعبين اخرين، و يمكن تعلم هذه اللعبة بسهولة كما يوجد العاب اخرى كثيرة مشابهة لها مثل لعبة البوكر أو لعبة البينجو و غيرها من الألعاب
- تطبيق تحميل الأغاني Download Mp3
هو تطبيق مفيد جدا لمحبين سماع الأغاني حيث يمكن تحميل الأعاني بصيغة mp3 بسرعة و سهولة، ستجد العديد من الألبومات و الأغاني الحديثة الممتعة مثل راب و روك و جاز و كلاسيك و غيرها، كما يوفر هذا التطبيق الرائع خاصية كلمات الأغنية، و أمكانية البحث عن الأغنية المطلوبة بكل سهولة.
- لعبة ماين كرافت
وهي لعبة قديمة منذ عام 2011 و لكنها من أجمل الألعاب الموجودة على أجهزة الأندرويد، حتى أنها لا زالت من أفضل الألعاب الموجودة على متجر جوجل، فهذه اللعبة تحتوي على العديد من المهام التي يمكن القيام بها مثل بناء مكعبات في عالم ثلاثي الأبعاد، بالاضافة الى البحث وحمع الموارد، و الاستكشاف و القتال، و هناك طرق مختلفة للعب في هذه اللعبة مثل لعبة البقاء على قيد الحياة حيث يتطلب من اللاعب البحث عن الموارد و البناء و بقاء االعالم على قيد الحياة، و يمكن مشاركة اللعبة مع لاعبين اخرين، و غيرها من مميزات جعلت هذه اللعبة من أهم العاب الاندرويد، و تحتاج هذه اللعبة اتصال دائم بشبكة الانترنت.
- لعبة ريل ريسنج Racing 3
و هي لعبة سباق سيارات شهيرة و مميزة أيضا، يمكن تحميلها مجانا من متجر جوجل، و هي متطابقة مع معظم أجهزة الاندرويد، فيمكنك الاستمتاع بقيادة سيارات حقيقية و تحدي الأصدقاء و ناس حقيقيين من مكان بلدان اخرى، كما يوجد الكثير من السباقات التي يمكنك الاستمتاع بها، و تتطلب هذه اللعبة في بعض الاوضاع اتصال مباشر وسريع بشبكة الانترنت.
- تطبيق collage editor
تطبيق رائع لتعديل الصور و الاضافة عليها، و عمل كولاج من عدة صور أو البوم صور، و هو يحتوي على أكثر من 120 نموذج برواز للصور يمكن الاختيار منها، و يمكن تغيير لون حدود الصورة، و تدوير الصورة، كما يمكن اضافة نص أو كتابة على الصورة، بالاضافة الى تغيير اضاءة الصورة و تعديل الوضوع و الألوان، تطبيق مجاني على متجر جوجل و لا يحتاج الى اتصال مباشر بالانترنت
مشروع مركز بحوث مكافحة البنى المعرفية للإرهاب ذي الشخصية الدينية
-
21
كانون2 2017
- الزيارات: 9315
من المعروف عموماً أن المنظومة الدولية فشلت حتى اليوم في وضع تعريف دقيق لثقافة الإرهاب وبناه المعرفيّة، بغض النظر عن شكل هذا الإرهاب، سياسياً كان أم دينياً. ولا تزال الآراء متناقضة، بحسب المصالح، في تعريف ما هو إرهابي وما هو غير إرهابي.
اِقرأ المزيد: مشروع مركز بحوث مكافحة البنى المعرفية للإرهاب ذي الشخصية الدينية
"يسوع في التلمود": مقدّمة المترجم
-
26
آذار 2015
- الزيارات: 11309
منذ زمن طويل، لم أقم بترجمة عمل " بحثياً " كما هي الحال مع دراسة الباحث الألماني، بيتر شيفر، " يسوع في التلمود ". الموضوع كان يستهويني منذ زمن طويل؛ وأذكر أنه قبل أكثر من ربع قرن، وكنت أعمل في إحدى الدوريات اللبنانية، أجريت دراسة لا تقل عن مئة وخمسين صفحة، تحمل العنوان ذاته، يسوع في التلمود. واعتمدت وقتها على ما بين أيدي من رسائل تلمودية " باللغة الإنكليزية "، إضافة إلى النص الهام، تولدوت يشو [ " تاريخ يسوع "]، الذي اعتمد أساساً له تلك المقاطع المتشظية في التلمودين، وربما بعض المدراش، من أجل تقديم نص هو الأسوأ حول يسوع والمسيحية. لكن النص " فقد " في الدورية(!)، ولم ينشر!!
هدية رأس السنة إلى القرّاء
-
06
كانون1 2014
- الزيارات: 14365
بعد طباعة مجموعة كتب في دار نشر كندية صديقة بنجاح لافت، ارتأينا أن نكمل مسيرتنا المعرفية عبر المجلّد الأول من كتابنا، مصادر القرآن الكريم ". ونحن اليوم في طور إكمال المجلّد المتعلّق بالنبي يوسف، الذي سنتبعه بقصة موسى. ولأن علاقتنا بقرّاء هذا الموقع صارت أكثر من حميمة، فقد وجدنا أنه لا بد من تقديم وجبة بحثية دسمة بمناسبة نهاية العام وبداية عام جديد. ولا أعتقد أن ثمة ما هو أهم، بمنظورنا، من مقدمة كتابنا المتعب ذاك.
مصادر القرآن الكريم – مقدمة؟
ثمة جملة أو كلمة يتفوّه بها باحث أو مفكّر تترك في عقولنا أسئلة لا تنتهي فنبدأ برحلة مضنية عبر شوك المعرفة من أجل الحصول على ما يؤكّد صحة ما سمعناه أو ينفيه بالمطلق. من تلك الجمل الهامة، ما قرأناه قبل زمن طويل، في بدايات عملنا البحثي، من أن " محمداً نظر إلى التوراة بعيون الأغاداه "([1])، للمفكّر الشهير، لويس غنسبرغ.
إشكالية تجسير الفضاء الثقافي العربي الإسلامي
-
13
تشرين1 2014
- الزيارات: 7063
تعليق على مساهمة نبيل فياض في ملف دارون
الجمعة 27 آذار (مارس) 2009
بقلم: سامي العباس
يعرّي نصّ نبيل فياض عن الدارونية والفلسفة (تاريخ النشر: 15 مارس 2009) مشكلتين تواجه عملية تحديث الفضاء الثقافي العربي- الإسلامي:
الإسلام واليهوديّة: بحث مترجم!
-
06
أيلول 2014
- الزيارات: 11260
مدخل:
إذا تحدثنا على نحو عمومي عن دائرة الفكر البشري ككل، يمكن أن نصل إلى نتيجة مفادها، سواء أكنا أمام أمور صارت واضحة لنا وضمن نطاق ملكية الجنس البشري، أو أمور متروكة للمستقبل كي يكشف الحجاب عنها ويحددها بدقة علمية، أن حدساً صحيحاً يسبق على الدوام تقريباً المعرفة العلميّة، وبالتالي فإن فكرة صحيحة عموماً، مع أنها غير مثبتة بعد بالأدلة الكافية، تستولي نوعاً ما على عقول البشر.
الديانة اليهودية: الجماعة الإصلاحيّة
-
17
أيلول 2014
- الزيارات: 10083
اليهوديّة الإصلاحيّة هي التفسير الأول الحديث لليهوديّة، والتي ظهرت استجابة لتبدّل الظروف السياسيّة والثقافيّة التي أعقبت تحرّر اليهود. إنها الفرع من اليهوديّة الأكثر تكيّفاً مع معايير الفكر والمجتمع المعاصرين، في الاعتقاد والممارسة. كما أنها تدعى أحياناً باليهوديّة الليبراليّة أو اليهوديّة التقدّميّة.
الديانة اليهوديّة: جماعة إعادة البناء
-
17
أيلول 2014
- الزيارات: 7184
COURTESY OF RRC
إعادة البناء، أحدث الحركات الدينيّة الرئيسة في اليهوديّة المعاصرة، هي الحركة الدينيّة اليهوديّة الوحيدة التي تأخذ من الولايات المتحدة وطناً لها. وتظلّ أيديولوجيتها صنيعة مؤسسها ومنظّرها، مردخاي كابلان ( 1881-1983 )؛ ويمكن اختصار أهدافها الأيديولوجيّة على النحو التالي: تثمين العناصر الموحّدة في الماضي اليهودي؛ استياء نقدي من ردود الفعل العرفيّة والأيديولوجيّة الحاليّة على الوضع اليهودي ما بعد التقليدي؛ وتصميم فاعل على تقدّم اليهوديّة عبر خطط واعية ومدروسة. وهكذا، يمكن اعتبار ظهور أيديولوجيا إعادة البناء والحركة ذاتها كردة فعل على ظهور الحركات اليهوديّة الدينيّة الأخرى في الولايات المتحدة.
الديانة اليهودية: القبالة
-
04
أيلول 2014
- الزيارات: 16346
بادئ ذي بدء نعترف أننا حاولنا ما أمكن تبسيط مسألة القبالة، التيار الديني اليهودي الذي يعرف انتشاراً هامّاً اليوم، لكننا مع ذلك لا نعتقد أن محاولتنا تكللت بالنجاح، لأن الدخول في عالم القبالة الرائع لا يشبه غير إبحار في محيط لا تعرف لجته.